قد تكون جراحة استئصال الغدة الدرقية حلًّا ضرورياً في بعض الحالات، لكن التفكير في مضاعفات استئصال الغدة الدرقية مثل النزيف وتضرر الأعصاب وصعوبة التنفس يجعل كثيرين يتساءلون: هل هناك طريق آخر يجنّبهم مشرط الجراح ويحافظ على الصوت والهرمونات بنبضها الطبيعي؟

ما الذي يحدث في استئصال الغدة الدرقية؟
استئصال الغدة الدرقية (thyroidectomy) هو إزالة كاملة أو جزئية لغدة تتحكّم في إفراز الهرمونات المنظمة لمستويات الكالسيوم، ضربات القلب، التعرق، والوزن. يتم الإجراء تحت التخدير العام بفتح جراحي في مقدمة الرقبة للوصول إلى الغدة وأحيانًا جارات الدرق (parathyroid glands) المجاورة. ورغم خبرة الجراح وأحدث أدوات التصوير الصوتية، تبقى الأنسجة غنية بالأعصاب والأوعية ما يفسر احتمال ظهور مضاعفات بعد العملية.
ما هي مضاعفات استئصال الغدة الدرقية
المضاعفة | كيف تحدث؟ | العلامات المتوقعة |
نزيف وتجمع دموي | تمزق وعاء دموي أثناء أو بعد الجراحة يؤدي إلى تجمع دموي يضغط على مجرى الهواء | تورم مفاجئ بالرقبة، صعوبة التنفس، تغير اللون |
العدوى (التهاب الجرح) | تلوث موضع الجرح بسلالات بكتيرية مقاومة للمضادات | احمرار، سخونة، إفرازات، ارتفاع الحرارة |
تضرر العصب الحنجري الراجع | شد أو قطع العصب المسؤول عن الأحبال الصوتية | بحة صوت، صوت ضعيف، بلع صعب |
نقص الكالسيوم (قصور جارات الدرق) | استئصال أو تضرر الغدد الجار درقية المسؤولة عن الكالسيوم | تنميل أصابع اليدين والقدمين، تقلص عضلي، تهيج، اضطراب ضربات القلب |
انسداد مجرى الهواء | تورم الجراحية أو نزيف داخلي يضغط على القصبة الهوائية | شخير حاد، نهجان، زرقة الشفاه |
قصور أو فرط درقي لاحق | خلل في توازن الهرمون الدرقي بعد الاستئصال الجزئي أو العلاج باليود المشع | خمول، برودة، زيادة وزن أو على العكس فرط نشاط، فقدان وزن، قلق |
ندبة ملحوظة أو ورم موضعي | التئام الجلد ببطء مع إفراز مفرط للكولاجين | بروز ندبة، اختلاف لون الجلد، حكة موضعية |
في دراسات متفرقة تراوح معدل المضاعفات الكبرى بين 2 و 6 %، بينما ترتفع النسبة إلى 20 % إذا احتسبنا المضاعفات الخفيفة كالتنميل العابر أو بحة الصوت المؤقتة.
عوامل تزيد خطر المضاعفات
- نقص فيتامين د والكالسيوم قبل العملية.
- سن المريض المتقدم أو السن الصغيرة جدًا.
- التدخين واضطرابات الدورة الدموية الطرفية.
- تاريخ جراحة سابقة بالرقبة أو العلاج باليود المشع.
- حجم الورم أو تضخم الغدة الكبير الذي يتطلب جراحة أوسع.
- الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والكلى تبطئ التئام الجرح.
- فرط نشاط الدرقي غير المتحكم فيه يرفع تدفق الدم ويزيد خطر النزف.
متى تصبح البدائل التداخلية خيارًا أفضل؟
إذا كان الورم حميدًا، أو فرط نشاط الغدة موضعيًا، أو كان المريض يعاني من مضاعفات صحية تجعل التخدير العام محفوفًا بالمخاطر، تأتي العلاجات التداخلية لتقليل العدوى، النزيف، وتلف العصب، مع الحفاظ على الوظيفة الهرمونية قدر الإمكان.
بدائل أقل تدخّلًا لاستئصال الغدة الدرقية
1. الكي بالتردد الحراري (RFA)
- تمر إبرة رفيعة عبر الجلد بتوجيه الأشعة الصوتية لتسخين خلايا الورم حتى 60–100 درجة مئوية.
- يزداد نخر الورم تدريجيًا دون جرح كبير أو خياطة.
- المريض يغادر المستشفى في نفس اليوم، ومعدّل النزيف أقل من 1 %.
- يحافظ على الأعصاب والأحبال الصوتية لأن الطاقة مركّزة داخل الورم فقط.
2. الحقن بالإيثانول (PEI)
- يحقن الطبيب كحول إيثيلي مطهّر داخل أكياس أو عقيدات حميدة صغيرة.
- الكحول يدمر الخلايا من الداخل ويمنع معاودة النمو.
- فعّال في حالات الكيس الدرقي المملوء بالسائل أو الأكياس المتكررة.
3. الترددات الميكروية (MWA)
- مشابه لـ RFA لكن يستخدم موجات أقصر تولّد حرارة أسرع.
- ملائم للعقيدات الكبيرة نسبيًا أو المتعددة.
4. العلاج باليود المشع (RAI)
- يُعطى الشراب أو الكبسولة ليُمتص اليود المشع في خلايا الغدة النشطة.
- يدمر الخلايا ببطء ويقلل فرط النشاط دون جراحة.
- يحتاج المريض إلى عزل قصير ويمنع الحمل لستة أشهر بعد الجرعة.
5. المتابعة النشطة وتغيير نمط الحياة
- إذا كان الورم صغيرًا (< 1 سم) ولا يسبب أعراضًا، يوصي الخبراء بالمراقبة الدورية والفحص الصوتي.
- التحكم في اليود الغذائي، وزن الجسم، والتوقف عن التدخين يقلل فرص تطور العقد.
كيف تقلّل مخاطر العملية؟
- ضبط مستويات الهرمون قبل موعد الجراحة.
- مضاعفة الحرص على التعقيم لمنع العدوى.
- تزويد المريض بالكالسيوم وفيتامين د استباقيًا.
- إيقاف مميّعات الدم تحت إشراف الطبيب لتقليل النزيف.
- تصوير صوتي ودوبلر لتحديد علاقة الورم بالأوعية والأعصاب.
- مراقبة العلامات الحيوية في أول 24 ساعة لتدارك التورم أو النزيف.
- اختيار جراح خبير بأقل عدد ممكن من شقوق الجلد وتجنّب شدّ العصب.
متى نفكِّر في قسطرة الغدة الدرقية بدلاً من الاستئصال؟
هناك إجراء تداخلي متقدِّم يُسمّى قسطرة شرايين الغدة الدرقية (Thyroid Artery Embolization – TAE)، ويُستخدم لعلاج التضخّم الكبير للغدّة عندما تكون الجراحة عالية الخطورة أو غير مرغوبة. يقوم اختصاصي الأشعّة التداخلية بإدخال قسطرة رفيعة عبر شريان الفخذ (أو الرسغ)، ثم يوجّهها بالأشعّة للوصول إلى الشرايين المغذِّية للغدّة. تحقن دقائقٍ صغيرة (Particles) أو لفافات دقيقة لوقف تدفق الدم جزئيًّا إلى النسيج المتضخِّم؛ فيقل حجمه تدريجيًّا ويخفّ ضغطه على القصبة الهوائيّة والمريء.
متى نفكِّر في القسطرة بدلاً من الاستئصال؟
تصلح القسطرة إذا… | قد لا تكون مثاليّة إذا… |
---|---|
تضخّم ضاغط على مجرى الهواء ولا يمكن استئصاله بأمان. | اشتباه سرطان يحتاج استئصالًا كاملًا وفحصًا نسيجيًّا. |
المريض مُعرَّض لمضاعفات تخدير عام أو نزيف جراحي. | وجود تكلُّسات شديدة قد تعوق مرور القسطرة. |
رغبة المريض في تجنُّب ندبة الرقبة والحبال الصوتيّة. | الغدّة متفرِّقة الإمداد بشرايين صغيرة للغاية. |
كيف يتم الإجراء خطوة بخطوة؟
- تصوير شرياني (Angiogram) أولي لتحديد الشرايين المغذِّية للعقيدات أو الفصّ المتضخِّم.
- توجيه القسطرة الدقيقة إلى الشريان المستهدف.
- حقن مواد انسداديّة (PVA Particles أو Micro-coils) تُغلق 70-90 % من التدفّق.
- مراقبة فوريّة بالأشعّة لضمان عدم تسرُّب الحبيبات إلى الأنسجة المجاورة.
- مغادرة المستشفى عادةً في نفس اليوم مع مسكّنات بسيطة.
النتائج المتوقّعة بالأرقام
- معدل النجاح الإكلينيكي لمرضى التضخم الحميد يُقارب 90 %.
- تراجع حجم الغدّة 60-80 % خلال 6 أشهر في معظم الدراسات، مع تحسّن ملحوظ في صعوبة البلع وضيق النفس.
- يمكِن للمرضى العودة للعمل خلال 48 ساعة، مقارنة بإجازة قد تصل إلى أسبوعين بعد الجراحة.
مزايا القسطرة على الاستئصال التقليدي
- لا شقّ جراحيّ: ندبة شبه معدومة.
- خطر نزيف أو عدوى أقلّ بكثير (أقلّ من 1 %).
- تجنُّب إصابة العصب الحنجري الراجع وبحة الصوت الدائمة.
- احتفاظٌ أفضل بوظيفة الغدّة؛ نادرًا ما يحتاج المريض إلى علاج هرموني دائم.
- إجراء تحت تخدير موضعي مع تهدئة خفيفة، ما يُقلِّل المضاعفات القلبيّة والرئويّة.
الآثار الجانبيّة المحتملة (عادةً خفيفة ومؤقّتة)
- ارتفاع بسيط في الحرارة (متلازمة ما بعد الانصمام).
- ألم أو إحساس ضغط في الرقبة أو الفك يستمر يومين.
- قصور درقي مؤقّت لدى أقل من 5 % من الحالات ويعالج بهرمون بديل.
مقارنة بين التردد الحراري واستئصال الغدة
الجراحة التقليدية | التداخل الإشعاعي أو الحراري | |
مجرى الهواء | خطر انسداد بسبب تورم أو نزيف | خطر شبه معدوم |
الأعصاب الحنجرية | يزداد احتمال تضرر العصب الراجع | طاقة مركّزة بعيداً عن الأعصاب |
ندبة الرقبة | واضحة بطول 5–7 سم غالبًا | ثقب 2–3 مم يلتئم سريعًا |
الإقامة بالمستشفى | 2–3 أيام | غالبًا خروج في نفس اليوم |
اضطراب الهرمونات | شائع ويحتاج حبوب هرمونية دائمة | نادر ويُحافظ على الوظيفة |
التكلفة الكلية | أقل مبدئيًا لكن أعلى إذا ظهرت مضاعفات | أعلى قليلًا مع انخفاض تكلفة الرعاية اللاحقة |
نصائح قبل اتخاذ القرار
- اطلب تقييمًا بالأشعة التداخلية لمعرفة إن كانت عقيدتك مناسبة لـ RFA أو MWA.
- احمل قائمة بأدويتك للطبيب لتقييم تفاعلها أثناء التخدير أو مع اليود المشع.
- ناقش توقعاتك الجمالية إن كنت تقلق من الندبة؛ البدائل الحرارية شبه خالية من آثار جلدية دائمة.
- تأكد من وجود فريق إنعاش وتخدير لدى المركز؛ حتى الإجراءات البسيطة تحتاج خطط طوارئ.
- التزم بتناول الكالسيوم والفيتامينات إذا أوصى بها الطبيب لتفادي تقلص العضلات بعد الإجراء.
- لا تهمل المتابعة؛ حتى البدائل الأقل تدخّلًا تتطلّب فحصًا بالموجات فوق الصوتية بعد 3 و 6 أشهر.
ضيق التنفس بعد استئصال الغدة الدرقية
الشعور بضيق في التنفس بعد الجراحة يحدث أحياناً بسبب التورم أو تجمع سوائل يضغط على مجرى الهواء. في العادة يكون الأمر مؤقتًا ويزول مع المتابعة الدقيقة وضبط أدوية الغدة وإفراز الكالسيوم. إذا صاحب ضيقَ التنفس صوت ضعيف أو بحة، فقد يشير ذلك إلى تهيّج أو شدّ على العصب الحنجري؛ وهنا يفيد التقييم المبكر لتجنب مضاعفات دائمة. يُنصح المرضى بتجنب وضعيات الرقبة التي تزيد ضغطًا على مكان العملية، وبتبريد موضع الجرح لتقليل الانتفاخ.
شكل الرقبة بعد عملية الغدة الدرقية
عادةً ما تكون هناك ندبة رفيعة في مقدمة الرقبة؛ يبدأ لونها ورديًّا ثـم يميل إلى لون الجلد الطبيعي خلال أشهر. يساهم تدليك الندبة بكريم سيليكون، وحماية الجلد من الشمس، وبتناول أطعمة غنية بالفيتامين C في تحسين المظهر. إذا ظهرت كتلة أو انتفاخ دائم فقد يكون تجمع دموي أو تليف زائد يستلزم تقييمًا. حرص الجرّاح على وضع الشق ضمن طيّة جلدية يقلّل الأثر التجميلي ويقي من شعور فقدان الثقة الذي يُصيب بعض الأشخاص بعد العملية.
الأكل الممنوع بعد استئصال الغدة الدرقية
- الأطعمة الغنية باليود المشع مثل أعشاب البحر أو ملح اليود الزائد خلال الأسبوع الأول، خصوصًا إذا كان هناك خطة علاجية لاحقة باليود المشع.
- الخضراوات الصليبية النيّئة (البروكلي، الكرنب) لأنها قد تبطئ امتصاص هرمون الغدة البديل.
- المأكولات الحارّة للغاية التي تسبب تهيج البلعوم وتؤخر التئام الجرح.
- الأطعمة عالية الصوديوم والوجبات السريعة التي تفاقم احتباس السوائل وانتفاخ الرقبة.
نصائح: التركيز على بروتين طري، خضار مطهوة، شرب ماء كافٍ لتجنب جفاف الجلد وظهور الشعور بالـبرودة الذي قد يترافق مع انخفاض هرمون الغدة.
هل يزيد الوزن بعد استئصال الغدة الدرقية؟
قد يزداد الوزن بنحو 2-4 كجم في الشهور الأولى لأن الجسم يفقد القدرة على تحمل تغيّر الهرمونات حتى ضبط الجرعة البديلة. التعديل السريع للأدوية، وممارسة النشاط البدني الخفيف بمجرد سماح الطبيب، يُقلّلان من هذا التأثير. تذكّر أنّ الدورة الشهرية لدى النساء قد تشهد اضطرابات عابرة مرتبطة بتغيّر مستويات الهرمون؛ ومع ضبط الجرعات يعود التمثيل الغذائي إلى وضع نشط، ويستطيع الشخص الحفاظ على وزن متزن دون معاناة طويلة.
وأخيرا، استئصال الغدة الدرقية يظل علاجًا حاسمًا في بعض السرطانات أو التضخمات الخانقة لمجرى الهواء، لكنه يحمل مخاطر مثل النزيف، تضرر العصب الحنجري، نقص الكالسيوم، والعدوى. التقنيات التداخلية الحديثة—كالتردد الحراري، الترددات الميكروية، والحقن بالإيثانول—تفتح بابًا أمام المريض لتقليل المضاعفات والحفاظ على وظيفة الغدة. القرار النهائي يحتاج حوارًا صريحًا مع طبيبك حول حجم الورم، مستويات الهرمونات، معدل المضاعفات المتوقعة، وخبرات الفريق المعالج.
تذكّر أنّ المعلومة الدقيقة هي خط الدفاع الأول ضد الخوف، وأن اختيارك للطريقة الأنسب يبدأ بفهم مزايا ومخاطر كل خيار.
للمزيد من الأسئلة حول بدائل الاستئصال ولتقييم حالتك بدقة، يمكن حجز استشارة مع د. سمير عبد الغفار—استشاري الأشعة التداخلية—للإجابة عن جميع استفساراتك في جلسة مخصصة.